ما حقيقة التفاهمات بين القوتين العظميين حول سوريا..؟ مصير الأسد يعود الى الواجهة مجددا .. روسيا غاضبة لتسريبات امريكية حول رحيله الى دولة ثالثة
1 أبريل، 2016
438 12 دقائق
يمنات
عبد الباري عطوان
القصة بدأت بتقرير اخباري نشرته صحيفة “الحياة” على ثمانية اعمدة في قمة صفحتها الاولى يوم امس، واكدت ان هناك تفاهما امريكيا روسيا على رحيل الرئيس بشار الاسد الى دولة ثالثة في غضون ستة اشهر، ولا نعتقد انها، اي الصحيفة، يمكن ان تقول ما قالته دون ان تكون المصادر الدبلوماسية التي سربت لها هذا الخبر تريد ايصال رسالة، او حتى تفجير “قنبلة” قبل اسبوع من انطلاق جولة المفاوضات المباشرة بين الحكومة والمعارضة يوم الاثنين المقبل في جنيف.
في عالم الصحافة، العربية والاجنبية منها على حد سواء، تعتبر “التسريبات” من قبل جهات دبلوماسية او سياسية “مجهولة” من الامور المألوفة، واختيار الزميلة “الحياة” المملوكة لناشر سعودي، اختيار “متعمد” ويشي بالكثير، خاصة عندما يتعلق الامر بالملف السوري.
حتى نفهم الغرض الاساسي من هذه “التسريبات” والظروف المحيطة بها لا بد من الرجوع الى الوراء قليلا، وبالتحديد الى التصريح الذي ادلى به سيرغي ريابكوف، نائب وزير الخارجية الروسي الى وكالة انباء “نوفوستي” الروسية الرسمية قبل اسبوع، وقال فيه “ان الولايات المتحدة تفهمت موقف موسكو بأنه ينبغي عدم مناقشة مستقبل الرئيس الاسد في الوقت الراهن”، وجاء هذا التصريح بعد اجتماع مطول استمر اربع ساعات في الكرملين حضره الرئيس فلاديمير بوتين، ووزير خارجيته سيرغي لافروف، الى جانب وزير الخارجية الامريكي جون كيري لمناقشة الازمة السورية ومصير الرئيس الاسد، والتحضير للجولة الثانية من مفاوضات جنيف.
***
الادارة الامريكية، والمتحدثون باسم بيتها الابيض ووزارة خارجيتها التزموا جميعا الصمت، ولم يعلقوا على هذا التصريح الروسي المفاجئ، الامر الذي اعطى انطباعا قويا بأن التفاهمات التي تم الكشف عنها حول وضع مصير الرئيس السوري جانبا في المرحلة الحالية على الاقل تنطوي على الكثير من الصحة.
ما الذي تغير حتى تأتي هذه التسريبات المعاكسة والواضحة، وتتحدث عن رواية مغايرة تؤكد رحيل الرئيس السوري الى دولة ثالثة (لم تحددها) ولكن من المرجح انها ايران، تنسبها الى مصادر دبلوماسية امريكية عليا؟
لا نملك جوابا واضحا حتى الآن، ولكن القراءة السريعة المتعمقة لردود فعل الروس التي عبر عنها لافروف في تصريحات “غاضبة” و ”هجومية” تكشف عن حرج روسي، و ”نجاح” دبلوماسي امريكي، و ”انهيار” وشيك لمفاوضات جنيف المقبلة، وربما قبل ان تبدأ.
لافروف اتهم الامريكيين بشكل مباشر بالوقوف خلف هذه التسريبات، ووصف عملية التسريب هذه بأنها “قذرة” ومضللة، وغير نزيهة، وترمي الى تشويه الواقع″، وقال في مؤتمر صحافي عقده مع نظيره الصربي في موسكو، “ان المزاعم حول وجود اتفاق حول مصير الاسد قلب للحقائق، ومساع لطرح المرجو كأنه امر واقع″، واضاف ان قرارات مجموعة دعم سورية تؤكد ان لاحق لاحد باستثناء الشعب السوري تقرير مصير القيادة السورية، والرئيس بشار الاسد ومن خلال انتخابات ديمقراطية حرة”.
نشم رائحة ازمة، بين القوتين العظميين نفسيهما، واخرى تتجمع سحبها، بين النظام والمعارضة السورية، وهي ازمة تفرخ ازمات، ويمكن ان تنعكس دبلوماسيا بالغاء او تأجيل المفاوضات المقبلة، وعسكريا من خلال تصعيد في ميادين القتال، تؤدي الى انهيار “الهدنة” المعلنة قبل ثلاثة اشهر وحققت نجاحا ملحوظا، وهي هدنة باتت تترنح في ظل هجمات الجيش السوري وطائراته على الغوطة الشرقية، ومواقع “جيش الاسلام”، حسب اتهامات المعارضة.
من الواضح ان “التسريبات” الامريكية لم تأت من فراغ، ولم تكن زلة لسان، ولا دخان بدون نار، فمعارضة الرياض السورية صعدت من مطالبها، وصلبت من موقفها، وانعكس ذلك من خلال تصريحات السيد اسعد الزعبي رئيس وفدها الى جنيف التي قال فيها “ان الرئيس الاسد لن يبق ولو ساعة بعد تشكيل هيئة حكم انتقالي بصلاحيات تنفيذية كاملة”، وسارع البيت الابيض عبر المتحدث باسمه الى تأييد هذا الموقف، حيث قال جوش ارنست “مشاركة الرئيس الاسد في هيئة الحكم الانتقالي امر غير مطروح النقاش”، ولكن سيأتي من يجادل وبقوة ان الرئيس الاسد بقي في السلطة خمس سنوات، رغم تنبؤات الكثيرين، ومن بينهم الرئيسان التركي رجب طيب اردوغان، والامريكي باراك اوباما بأن ايامه معدودة.
***
في ظل هذه الشروط المسبقة المتوازية مع تصعيد في الموقف الامريكي، نعتقد ان مفاوضات جنيف باتت على كف عفريت، وان الوفد الرسمي السوري الذي يقوده بشار الجعفري قد لا يحزم حقائبه ويتجه الى جنيف في الموعد المقرر، لان التعليمات التي وجهت اليه، والتي تؤكد ان مقام الرئيس “خط احمر”، ما زالت على حالها، ولم يطرأ عليها اي تغيير، فالانتخابات البرلمانية التي طالب الاسد بعقدها بعد يومين من مفاوضات جنيف ستسير في الموعد المحدد، والسقف الاعلى للتنازلات السورية الرسمية، حكومة وحدة وطنية موسعة تضم السلطة والمعارضة تضع دستورا جديدا.
“دار ابو سفيان” السورية ما زالت على حالها، و ”صاحبها”، وبعد استعادة مدينة تدمر من “الدولة الاسلامية” بمساعدة الروس و ”حزب الله” يزداد ثقة بنفسه وجيشه، وخطوطه الحمر ستزداد احمرارا بالتالي، والايام المقبلة ستكون ساخنة.. ان لم تكن ملتهبة، على الصعد كافة، او هكذا نعتقد.